أرض الصومال.. ستنال الاعتراف (1)

قيل أن أحد الفلاسفة تناول وجبة غداء مع أبيه البدوي، فقال الابن الفيلسوف: يا أبت ألا ترى أن الدجاجة التي أمامنا واحدة؟

قال الأب: نعم، هي واحدة.

قال الفيلسوف: إني أستطيع أن أقنعك أنها "دجاجتان اثنتان"!.

- فتناول الأب الدجاجة وقال لابنه: تركت لك الثانية!.

فبهت الفيلسوف بمنطقية أبيه البدوي الذي لا يعرف التكلف.

الطبع العادي غير المتكلف يملي لنا أنه لا يوجد ما يجعل صومالي لاند تنتظر قاعدة على المائدة، فلا توجد إلا "الدجاجة" التي تناولتها صومالي لاند من الأمن والاستقرار، فلا نرى استقراراً في "مقديشو".

"تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن" كأن هذا المثل راسخ في أذهان الصوماليين، كرسوخ أن انفصال "أرض الصومال" من الصومال لا يأتي بخير..

الكثيرون تحدثوا –وأعتقدهم على حق- عن أحقية صومالي لاند بالحفاظ على أمنها وممتلكاتها عن التخريب –وقد أشرت إلى تلك الحقوق في بعض مقالاتي.

ولكن، هل يمكن أن نتسائل: هل من المنطق أن تنضم صومالي لاند إلى الجنوب حالياً؟



الأمن ليس محلاً للعب والمقامرة، فصومالي لاند تمتلك الأمن، وشعبها ينعم بالأمن، ومن الغريب أن نحقد القوم على أمنهم، ونطالبهم بالانضمام إلى الصومال المشتعل ناراً!.

كلنا يعرف أن العاصمة الصومالية مقديشوا تلطخت بالدماء، وأن السلام يغيب عنها منذ ربع قرن من الزمان، وهذا يشجع صومالي لاند بالتمسك على قرارها بالانفصال.

لماذا نحن نتهرب عن الإجابة الصحيحة لهذا السؤال: ألا تستحق صومالي لاند تقرير مصيرها في ظل الظروف القاسية التي تشهدها العاصمة الصومالية مقديشو؟ أم أننا نتمادى بنداء صومالي لاند إلى حرق أوراقها ورصيدها في الجنوب الملتهب؟.

عندما نضع قضية القوم في الميزان، يبدوا أن لهم الحق في تقرير المصير، وأنهم ينافسون اليوم مع الشعوب الذين يعيشون في حالة نظام كجيبوتي مثلاً.

كلنا يدرك أن التفرق يضعف القوى، قد يجعل "الانفصال" صومالي لاند لقمة سائغة يوماً ماْ لبعض القوى كإثيوبيا مثلاً.. ولكن بالمقابل، أليس هذا أفضل من انتحارها عياناً في مقديشو؟.. إذ أن الغوص في حرب مع إثيوبيا أمر مستقبلي ولا يُعرف متى سيحدث إن فرضنا أن إثيوبيا ستمارس ابتزازاً على صومالي لاند "الدولة الصغيرة" لأنها قدمت للأخيرة الكثير تمهيداً لنيلها الاعتراف، وعليه فإن صومالي لاند ستضطر إلى رفض الخنوع –علماً بأن من عادة الصومالي أن لا يقبل الإهانة وإن كان على يد العدو، بينما أن انضمام صومالي لاند اليوم لحكومة مقديشو يجلب لها ويلات الحروب، ويجعل هرجيساْ العاصمة الثانية للحروب، وهذا أمر غير منطقي، ولا ينبغي للعقل السليم أن يستسيغه.

لقد خضتُ فيما مضى نقاشات حادة مع كتاب وإعلاميين من صومالي لاند، وكلهم يتفق في أمر واحد رأيته منطقياً للغاية، هو: أن صومالي لاند ستمضي قدما نحو تحقيق حلمها، وأنها لا تريد أن تتوقف، ولو أراد "الوحدويون" –وأنا منهم- أن تنضم صومالي لاند لهم، فليوقفوا الحرب، وليعيدوا الاستقرار، وبعدها يمكن لنا-صومالي لاند- أن نجلس معهم على طاولة المفاوضات..!

لم أستطع أن أغمض عيني عن هذه الحقيقة التي تنفض الغبار المتراص فوق قضية صومالي لاند، هذه القضية لبست طابعاً جديداً، هي اليوم قريبة إلى الاعتراف أكثر من ذي قبل.

يجب أن نتفق أولاً بأن صومالي لاند قطعت شوطاً لا بأس به نحو الاستقرار، ووفرت لشعبها العديد من الخدمات الأساسية التي تسمى بالمرافق الحيوية. ولا أريد أن أخوض في غمار هذا الحديث، إذ أنني لا أظن أن شخصاً سينكر هذا المحسوس.



آن الأوان للاعتراف

وتسعى صومالي لاند ولا تزال ، لنيل الاعتراف، وكأنها جزمت ذلك بعزيمة ماضية، ولا تريد الالتفات إلى الوراء، إذ أن الشيطان يكمن في الوراء..!

ساد هذه الأيام ما يسمى "بتسريبات ويكي- Wikileaks" ، التي أصبحت –كما عبرت به كاتبة صومالية- الوداع الأخير للأسرار في العالم، فقد ورد في نص البرقيات التي نشرها موقع ويكيليكس والمسربة من السفارة الأمريكية في بريطانيا أنهم علموا بمخطط بريطاني للاعتراف بصوماليلاند "ليتمكن هذا البلد من الحصول على مساعدات دولية من جهة وليتمكن من التصدي للتطرف المتنامي في القرن الأفريقي" حسب الوثيقة.

وتقول البرقية المؤرخة بالسادس من فبراير عام 2009 ، أنه "يتوجب على الولايات المتحدة والمملكة المتحدة أن يضعا هذه الخطة موضع التنفيذ لتكونبديلا لسياسة الحرب بالعمالة التي ينتهجها الغرب".

ونعرف جميعاً أن الولايات المتحدة أعلنت في أكتوبر الماضي أنها ستتعامل مع صوماليلاند بشكل مباشر، وتبعتها الأمم المتحدة وبعض الدول الأوروبية.

وهذا كله يعني أنه حان دق أجراس "الاعتراف" والذي سعت ولا زالت تسعى إليه صومالي لاند، ولا يحق للصومال الجنوبي أن يلوم صومالي لاند على هذا المسلك، على الانفصال، فالحروب المسعرة في مقديشو تشجعهم على ذلك؛ على الاستمرار بمطالبة الاعتراف.

إن قوماً لم يستطيعوا احتواء الحرب فيما بينهم لا يحق لهم أن يسدوا الباب على شعب عرفوا معنى السلام فتسالموا، فالضمير السليم –أيا كان انتماؤه- لا يرضى بمصادرة حقوق الآخرين، هذا لكي أقول في الكلمة الأخيرة: صومالي لاند ستنال الاعتراف، فليكن الاعتراف أفضل الخيارين.

يتبع...



بقلم: عبد الرحمن الذاكر - كاتب صومالي



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]



.

"ان قوماً لم يستطيعوا احتواء الحرب فيما بينهم لا يحق لهم أن يسدوا الباب على شعب عرفوا معنى السلام فتسالموا،" قد صدق الكاتب فى هذة الكلمه ... ولكن هناك ... اعتراف ضمنى فى سياق الكاتب وهو انه فى حاله عوده " الهدوء" الى الجنوب المشتعل قد تعود صوماليلاند الى الجنوب وهذا ايضا من المستحيلات اذ ليست مشكلتنا مع جنوب الصومال فقط بانعدام الامن فى الديار الصوماليه الجنوبيه اذ ان المشكله اعمق من ذلك بكثير .... ارجوا ان يتحقق لصوماليلاند مااردت وماقد سكبت لاجلة الدماء الطاهرة كان ذلك عاجلا ام اجلا ...

يعطيك العافيه اخوى / الزعيم ..

شكر لك اخي خالد على مرورك العطر